كتب الدكتور محمد الساحلي ما يلي:
اعتدت الكتابة…كيف لا و أنا من عشّاق القراءة. قراءة الماضي و الحاضر من خلال ثروات مكتبتي. لكن قراءة المستقبل تبقى الشغف الوطني في بلاد المخيلات و المؤامرات و الحقائق المطمورة.
اليوم و قبل أن أنغمس في كلمات بعضها لا يرتقي إلى مستوى الغصة التي تعصف في روحي. اليوم أود أن أعتذر من قلمي عن كل كلمة كتبها و قمت بمحوها كرمى التوازن الطائفي و احترام خصوصية النظام اللبناني. الطائفية و المذهبية و التوازن و التوافق و الوفاق و الحوار و غيرها من التعابير خلقت نظاماً و محت لبناناً. للتوضيح محت لبنانهم ببطء شديد ليخلق لبناناً حرّاً سيّداً مستقلاً في مئوية لبنان الكبير.
فلنبدأ من حيث انتهى لبنانهم. فلنبدأ من مجزرة بيروت ٤ آب ٢٠٢٠. سَلَطة السُلطات شابها العفن و الرائحة الكريهة. بات كلّ منّا يرجح لعيان روحه و عقله و جسده إلى أحد المكونات و النتيجة واحدة: خلطة الحرب الأهلية بأسبابها و منتوجاتها إلى مزبلة التاريخ اللبناني. المعضلة واحدة كما حال ملف النفايات في لبنان. ليس هناك من مكبّ عصري يحوّل الألم إلى أمل. ليس هناك من مكبّ واحد في دولة ال ١.٤٥٢ كلم٢ (لا أكثر و لا أقل) يعتمد على تقنية التدوير و إعادة التدوير. الصدمة كبرى و قد اعتدنا في لبنانهم على تدوير الزوايا.
البداية من مجزرة بيروت ٢٠٢٠ المشابهة لنهايات بعضاً من قصص المنطقة مع فارق ٍ واحد: هناك تفجيرات "صناعية" متنقلة صامتة أو معتّمة بحكم غياب الضحايا فَحَرسُها حريص على مبدأ الحياد الداخلي. و هنا تفجير إجرامي إرهابي بحكم عشق بعضنا لمبدأ "حاميها حراميها". في مقارنة كهذه يغيب التشابه إلى حين يذكرنا الداني بإدانته و رغبته بأن يبقى العدو الأزلي. يطالعنا بتحذير تهديدي مبطّن حرصاً منه على سلامة لبناننا و هو بذلك يعمل، كما فعل منذ ١٩٤٨، على حماية لبنانهم.
و ما قبل البداية، مخاض عسير وصّفه منذ زمن خواجه من منطقتنا بشكل روحاني. فما كان على أشباه الساسيين إلّا أن دخلوا في مبارزة سرقة ودائع الميسورين و الإنقضاض على مداخيل لبناننا. أوصلوا الجميع إلى الحضيض و حينما لم يبقَ ما يمكن إمتصاصه فجّروا الحديد و راحوا يتاجرون به من على الشاشات الداخلية و الخارجية.
غاب مجرمو الحروب و أزلامهم عن الساحات. كيف يظهرون و الشعب استرجع لبنانه و كانت أول زيارة رئاسية لفخامة الشعب من رئيس دولة أنجبت لبنان الكبير. فكان إيمانويل كبيراً في سلامه و أستاذا محاضرا تتلمذ على أيدي النظام المالي العالمي. العملة التي تم استخدامها إلكترونية منصّتها في البورصة تعتمد على خزينة وثائق الفساد و الإجرام. المصرف المركزي تحميه سلامة المواطن. إن لم يحترم دياب السلطة السياسية شروط اللعب مع الكبار و بقي متقوقعا مختبئا ما بين مؤسسات وضعها ليس بسليم، تمسي مجزرة بيروت ٢٠٢٠ نموذجاً عن سيناريوهات سوداء. و ما يبدو للبعض إحتراماً أو خوفاً أمام العباءة السوداء الشرقية، إنّما هو في الحقيقة تلافياً لنتاج العلامة الداعشية السوداء و هجرتها إلى المنطقة الغربية الملمّة بحقوق الإنسان حينما يحلو لها.
عام ٢٠٢٠ أثبت أن المواقع و الألقاب و الكراسي تختفي عندما تنقلب الطاولات. واجب المؤمنين بلبنان، الدولة المؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة و الجامعة العربية، أن يبتكروا سبل التطوير الصناعي الزراعي التجاري. واجبهم زرع الشجر و تلقيمه، تدويره و تصنيع الطاولات، تصديرها من دون التفريط بصكوك ملكيتها.
البداية مع مجزرة بيروت ٢٠٢٠. اليوم لبنانهم للبيع و لا من يشتري. لبناننا معروض للبيع و على المؤمنين به العمل على إبرام إتفاقية دمج (Merging) مع الأشقاء في الشرق و الغرب بدل من نقل ملكية جميع أسهمه (Acquisition) لسرطان المنطقة الأوحد لا الوحيد.
البعض يعتبرنا عند مجالستنا ودائع. الحقيقة أننا عند مجالستهم، نمتهن فنّ الشطرنج و لا نلعب سوى على أرض الوطن، لا به و لا فيه. الحقيقة أننا نستودع الله لبناننا و هم من اعتادوا عبادة اللحم الفاسد. كيف لا و قد حاولوا إطعامنا إياه.
سقط لبنانكم و مجزرة بيروت ٢٠٢٠ ولّدت دماء تروي أرض الفينيقيين الذين كتبوا أبجدية عربية أبديّة. التغيير آتٍ، سلبي أم إيجابي، لا يهمّ. فأنتم أصغر من أن تشكّلوا اليوم و لو همّا واحداً.
سقطتم و عاش لبنان.